قالوا عنه

محمد فهمي سلامة: لن أكتب عن أسامة الشاذلي

نُشِر المقال في 31 مارس 2024م على موقع الميزان

الكتابة فعل وإن بدا لك خياليًا لكنه في النهاية فعل ملموس، لابد له من قلم ومجموعة أوراق، أو على الأقل ضغطة على زر  اللابتوب وتاتش الموبايل.. لكنه أولًا، وقبل كل شئ، يحتاج أن ترى بعينيك أوراقك أو الأزرار أو التاتش .. وما حدث هو أقرب لأن (حد شَد الفيشة) وتركنا في ظلام لا تميز فيه كَف يَدك، أو أن حدثًا طارئًا في الخارج، أجبر الجمهور على الخروج من السينما في (نص) الفيلم، أو كالنوادر التي ينزل فيها المشجعين من المدرجات فيضطر الحكم أن يصفر بنهاية المباراة دون نتيجة .. هذا بالضبط ما حدث .. آه آسف .. لم أفهم بالضبط ما حدث!

يحكي الناس على تويتر (x)، وفيس بوك، وغيرها من المنصات، عن رجل اسمه أسامة الشاذلي، يؤكدون بما لا يدع مجالًا للشك أنه قد ودّع الدنيا مساء أمس، ويقولون أيضًا أنه كاتب صحفي وروائي، وله العديد من المقالات النقدية الفنية ذائعة الصيت .. يلحقون المنشورات بصور لرجل يشبه الرجل الذي عرفته جيدًا .. رجل أهم ما يميزه أنه نظرة عينيه المتجاورتين يختلفان عن بعضهما كالأبيض والأسود .. العين اليمنى تعشق الدنيا وتلتهما التهاما .. واليسرى تهزأ بكل صخبها وضوءها وضوضاءها وحالها ومالها، وتفر هاربة إلى النور الموجود في العالم الآخر ..  ويروي هذا عن طيبته المفرطة، وهذا عن جرأته المتهوّرة .. وهذا عن زُهدة في كل ما هو آت وتصالحه عن كل ما هو ماضِ .. وكل ما فهمته تقريبًا، أن هذا الذي يتحدثون عنه ويقرأون له القرآن، ويدعون له بالرحمة والسلوان والكليشيهات المعتادة كصور الحداد والأشرطة السوداء، قد انتهت قصته هنا لتبدأ هناك .. وكذا يحكي أبناء مهنته عن رجل استثنائي في زمن العاديين ..  وتتناقل المواقع الإلكترونية والصحف المصرية والعربية والصحفيين على منصاتهم الخاصة أخبارًا تجزم بأنه قد رفع يده وأدار ظهره وقال: سلام .. لكننا –وكما اتفقنا- أن أحدًا (شد الفيشة) .. فلا شئ –بالنسبة لي- حتى الآن يؤكد كل هذا الكلام أو ينفيه، فاللذي (شد الفيشة) وهرب مسرعًا لم يترك لنا حتى فرصة لسماع أصوات من خارج الغرفة المظلمة التي نتخبّط فيها بعد أن فقدنا البوصلة ونزلت الشبّورة على الزجاج فأصبحنا نتسائل كما تسائل قبلنا أحمد فؤاد نجم في قصيدته التي تصف فعل التخبّط : إحنا انهارده فين؟ وكام؟ وبكرة كام؟ وبعده فين؟!

الروائي أسامة الشاذلي
الروائي أسامة الشاذلي

الكتابة فعل صادم أحيانًا .. يؤّكد به الإنسان لنفسه حقيقة يرفضها عقله وقلبه أحيانًا .. ففي هذه الحالة فقط يُعتبر القلم أصدق أنباءً من السيف ..  وكل هذه الروايات والحكايات عما يقولون عنه الناس أنه (الراحل) أسامة الشاذلي لن تتأكد لي بشكل شخصي إلا إذا كتبتها بقلمي، وطالما لن أكتب عن الرجل فمازالت تلك الروايات محل شك بالنسبة لي، ولن أكتب عما يقولون عنه قد مات إلّا إذا تأكدت بنفسي، وعندما يأتي لي الخبر اليقين سأكتب .. أو إذا طلب هو الكتابة عنه!

محمد فهمي سلامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *