قالوا عنه

عمرو شاهين: أسامة الشاذلي.. أو ما لا تعرفه عن أطلس

نُشِر المقال يوم 6 إبريل 2024م على موقع الميزان

أتعرفون أطلس؟ ذلك الرجل الذي يحمل على كتفيه قبة السماء؟ لا ليس أسطورة لقد قابلته، بل لم أقابله لقد كان لي أبًا وأبنًا وأخًا وصاحبًا، حملنا جميعًا على كتفيه، كمن يصنع عائلته بنفسه، اصطفانا لنكون بجواره ومعه، شركاء لا تابعين، اختارنا لأسباب يعرفها هو، ولكنه لم يكل يومًا من حملنا على كتفيه، بل كان يحزن إذا فارقنا أحدنا لأي سبب، حتى إن كان مخطئًا، عمن أتحدث؟! أخبرتكم الرجل الذي حملنا على كتفيه أسامة الشاذلي.

في بقعة من صحراء طريق القاهرة الإسكندرية، يفترش طلاب الكلية الحربية الطريق، يتلمسون الراحة من عناء المشي الطويل، تدريب أخر ينتقلون به من مرحلة إلى أخرى تمهيدًا لتخرجهم من الكلية، يجلسون الواحد ظهره في ظهر الأخر، فرصة للنوم السريع، دقائق قليلة ويخفت ضجيجهم يغوصون في يمِ من الأحلام، حتى هو، أسامة الشاذلي الطالب بالكلية الحربية، يهرب من صحراء واقعه إلى صحراء أخرى في أحلامه.

♦♦♦

في صحراء، ليلها أسود ككحل في عين فتاة، تلتف جماعة حول النار، هو بينهم، يرتدي زي فارس، بجواره درع وحربه وعلى النار الموقدة أمامهم صيد صغير، يناديه أحدهم يا “أبا الغلابة” يا عروة يا أبن الورد، أغثنا، فلا يتردد، يطير بجواده، ويعود بزمرة جديدة تنضم لجماعته.

هل كان يدرك هذا الفتى الباسم، السائر بجوار الطريق إلى العاصمة، بأنه سيصير أسطورة؟ أطلس أخر الزمان، الذي لم يحمل السماء على كتفيه عقابًا، بل اختيار وإرادة منه، عروة أبن الورد الجديد، في صحراء المدن الأسمنتية، يغيث من يطلب نجدته ويجمع حوله زمرته، كأطلس الذي يصطفى من البشر خلصاء، ليحملهم على كتفيه.

ما الفارق بين الفارس العربي والعملاق اليوناني؟ لا شيء كلاهما نسجت الأساطير حولهم، بها ما بها من مبالغات وربما حكايات خيالية، أما صاحبي هذا، الفتى الباسم والرجل اليافع والقلب القادر على احتواء الكون، كان أسطورة من لحمٍ ودم، شاهدتها وعايشتها، وشاركت في فصولها وملاحمها، حاربت في معاركها، وثملت بانتصاراتها، ونهضت من عثراتها.

  • توشك الشمس على أن تودع القاهرة، أقف في الشرفة فيراني، يمازح البعض، ويتجه نحوي، يسألني عن الأخبار، أخبره بشكل تفصيلي سريع كما يحب، عما دار اليوم وما أنجزوه الرفاق في العمل، يبتسم أخبره أني لا ارتاح لأحدهم، يعلم أني تعرضت للكثير من اللدغات ولا آمن جانب البشر بسهولة، ولكنه يخبرني أنه يعلم، ولكنه يعطي مساحة لفرص جديدة، ويختم كلماته بجمل “هه لعل وعسى”-

ما كانت هزيمة يا عروة، بل أمر دبر بليل

أسامة الشاذلي
أسامة الشاذلي

فجأة يغير قطاع الطريق على المخيم، عروة يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويخرج بفضله الجميع سالمين، يتجمع الخلصاء حوله، ويضجر البعض من الرحلة فيعود أدراجه، أو يتبع مسارًا آخر، معه نسير، نعلم أنه يعرف الطريق، نحتمى به، ويا للعجب هو الآخر يحتمي بنا، نسير لنصل لواحة جديدة، فننصب خيامانا ونستقر.

على مقهى في شارع جانبي جمعنا أسامة، مرت أشهر بسيطة على إغلاق المولد، يعلن أنه سيدشن موقعًا جديدًا، يوزع الأدوار، سنعود للعمل يا شباب، صحيح أننا لم نكن جميعنا حاضر، أصبحنا أقل ولكن أقرب، صهرتنا الأزمة فصرنا عائلة لم نعد نعمل معًا بل نحيا معًا وهو أطلسنا، يحملنا على كتفيه ويسير.

ـ عمرو أنا رشحتك علشان تشتغل في دوت مصر هتروح تقابل رشا الشامي
هكذا أبلغني بالأمر، لا لن اتحدت عن هذا اللقاء، ولكن سأتحدث عن الفارس المنقذ، في عتمة يأس حالك جاءت رسالته، هو رأي ما لم يراه غيره، حتى أنا قبلها لم أكن أراني كما أراني الآن، لقد رأيت نفسي بعيني أسامة، حينما أتذكر كل من حملهم على كتفيه، واللحظة التي قابلهم فيها، أدرك أنه قابلهم في نفس تلك اللحظة، لحظة اليأس الشديد، وكأنه رحمة أرسلت من رب رحيم، كي لا نضل-

ما يهزم الموت؟

أفيق من شرودي على سؤاله، وأرد السؤال بسؤال، وهل يٌهزم الموت يا صاحبي؟ يبتسم ويهز رأسه ” بالتأكيد” ننظر لبعضنا البعض ونضحك، ولكن ضحكته تخبو سريعًا لتنبت ابتسامة، فينظر لي ويقول، الحكايات، الحكاية تهزم الموت، يخلّد الإنسان بما يرويه الآخرون عنه.

في الشرفة أمازحه:
ـ تشبه لعروة
فيرد
ـ ما كنتم صعاليك يومًا لأكون عروتكم، أنتم عزوتي

أتأمله وأرد:
ـ اصطفيتنا إذا
فيبتسم
ـ بل اصطفيتموني أنتم وما لي سواكم

والآن يا صاحبي من لي بعدك.. إلا حكايات أستدعيك فيها لتؤنسني، لتظل حاضرًا رغم إصرار الجميع على أنك رحلت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *