نُشِر المقال يوم 5 إبريل 2024م على موقع الميزان
ظهيرة يوم جمعة أواخر عام 2013، أضغط على صندوق الرسائل أبعث إلي أسامة الشاذلي برسالة “مساء الخير ..انا فلان الفلاني بعمل محتوى مكتوب خاص بالموسيقى يركز غالبًا على فترة ال 80 و ال 90 دى مدونة ليا بكتب فيها بشكل متقطع ممكن تطل عليها وهأكون سعيد جدًا لو أتيحت لي فرصة للنشر معك في موقع كسرة”
عادة لا أجيد التواصل مع الأخرين خصوصًا من ناحية طلب الشغل، وقبل أن أرسل الرسالة كنت قد هيأت نفسي على أنه لن يقرأها، بل وإمعانًا في سوء الظن “سامحني يا صاحبي” قلت حتى وإن قرأها لن يرد عليها.
دقائق معدودة ووصلني الرد، مساء النور ….. هايل جدًا الشغل ده، انا فعلًا محتاج محتوى زي ده عندي، ابعت لي مقال، تحب تبتدي بإيه”
لا أعرف كيف أصف مشاعر الفرحة التي انتابتني وقتها، من شخص أتحدث إليه لأول مرة ولا يوجد بيننا أي تواصل إنساني لا أعرفه ولا يعرفني بشكل شخصي، ثلاثة أيام فقط وأرسلت إليه المقال عبر البريد الإليكتروني، بعدها بأسبوع تم نشر المقال.
كانت أول مرة ينشر لي مقال بشكل أحترافي عبر أحد المواقع، من شخص كانت تحيط به هالة تشعر وكأنه طير في السماء عالي جدًا لن تستطيع الوصول إليه وحتمًا لن ينزل هو إليك، استمرت المفاجأت معه في ثلاثة مقالات نشرتها عبر موقع كسرة قبل أن تنتهي التجربة.
بعد انتهاء التجربة كان متوقع ألا يحدث أي تواصل بيني وبينه، كانت هناك مناوشات عبر تعليق عنده أو تعليق عندي لكنها لم تصل إلى درجة الصداقة، كنت أقول أنت أمام رجل جامدًا عمليًا لا تحكمه العواطف، فجأة أفتح صندوق الرسائل لأجد رسالة قصيرة منه “مساء الخير ابعت لي رقم تليفونك عاوز اتواصل معك”
أرسلت له رقم التليفون ليتصل بيا بعدها، من أول دقيقة لم أشعر بأي غربة في الكلام معه، بدا وكأني أعرفه منذ زمن بعيد، بص يا صاحبي انا بعمل مشروع جديد اسمه “المولد” عاوزك معايا فيه،احنا في مرحلة نشر تجريبي ولن يكون هناك أي مقابل مادي لحد ما يتم تحديد موعد الإطلاق الرسمي، لو مش حابب هكون متفهم جدًا.
لم افكر ولو لثانية قلت له أنا معاك وش، يالا بينا، قالي تمام همتك معايا بقا وخلينا نكسر الدنيا.
مرت الأيام سريعة كنت قد أرسلت له عدة مقالات قام بنشرها على الفور، وبدأت العلاقة تأخذ منحى جديد لم يعد الأمر مجرد رئيس تحرير ومحرر بل وصلت إلى مرحلة صداقة صحيح أنها افتراضية بحتة لكن صوته في الهاتف كان يعطيك حماسة ودفعات معنوية تكفي كافة البشر وتفيض.
كان اللقاء الاول عبر صالة تحرير موقع المولد لم يكن الموقع قد أطلق رسميًا، اتى متأخرًا قليًلا وعندما شاهدني ترك كل ما في يده وجرى على ليأخذني في حضنه وكأننا أصدقاء لم نرى بعضنا منذ زمن بعيد، ذابت الحواجز وكل الشكوك من أول مرة تحدثت إليه وجهًا لوجه، في أول اجتماع طلب مننا الاشتراك في ملف عاجل، ثم اعتذر عن عدم وجود أي عمال للبوفيه لأننا سوف نبدأ من أول الشهر القادم، ثم دخل إلى البوفيه كي يقوم هو بنفسه بإعداد المشروبات لنا.
كنا أربعة محررين فقط، خرج لكل واحد فينا يسأله ماذا يشرب حاولنا أن نعفيه من مسألة إعداد المشروبات فأصر إصرار شديد على ألا نضيع الوقت وأن ننجز المطلوب، كان الموقف على بساطته يفسر لنا أننا أمام شخص يتعامل معنا على أننا جزء من تكوينه، هذا الرجل الذي ظننت أنه طير عالي يقف بجانبنا بكل ود ومحبة ،يمازح صديق ويهدأ من روح زميلة متوترة، كان يومًا لا ينسى وكنت أشعر أننا نجلس في منزله الذي أصبح منزلنا نحن.
عبر ثلاثة أيام متتالية لنا في صالة التحرير كان يتنقل بيننا، يشرح لنا اللوحة التي نعمل عليها، يصحح معلومة يوزع المهام ينشر السعادة بين الجميع كان يقول انتوا عزوتي واخواتي واولادي، ،مع انطلاق الموقع رسميًا كان شعلة نشاط يكره الجلوس في المكاتب يتعامل وكأنه فرد عادي ، لا يأمر ولا يوكل أحد للقيام بمهام بدلًا منه، يتواصل مع الجميع بلا استثناء، تجده يجلس للاستماع لمشكلة شخصية من محرر، يثني على تقرير فلان، ويحمس علان كي يخرج منه المزيد، يقف يمازح عمال البوفيه ويشرب الشاي معهم دون تعالي.
عندما حدثت مشكلة غلق الموقع كان حائط الصد الذي وقف أمام الكوارث التي أكلت من روحه وصحته كثيرًا كان مصر على موقفه النبيل دون ادعاء بطولة وأصر على أن تصل حقوقنا كاملة قبل حقوقه هو ، كان يتواصل مع الجميع يقف بجانب أي شخص ماديًا ومعنويًا، لا يخاف من قول الحق حتى لو كلفه أكل عيشه، لا يداهن ولا يماطل ولا يقف في المنتصف حيال أي شئ، رجل بقلب طفل يغضب ويثور ثم يعود هادئًا وديعًا يحتضن الكل كما تعود دائمًا
يرسل لي أغنية لمطربه المفضل مدحت صالح ويقولي حلوة الأغنية دي يا عطية ما تعملنا مراجعة للشريط ده عشان خاطري، أقول له أنت تأمر ما تطلبش، يقولي يا واد أنا عاوز اقرا رأيك في الشريط، انا بحبك يا واد وبحب كتاباتك جدًا ويصفني بصفات أخجل من ان ارد عليها.
يهاتفني وانا في عز غضبي من أمر شخصي يهدئ من روعي، يقف بجانبي في وقت كنت فيه وحيدًا بعد رحيل أمي، لا يمل من اسئلتي يعطيني نصائح ولا يكف عن دعمي معنويًا وماديًا، عندما أدخل في مشروع جديد خارج العمل معه، يفرح ويقول دوس واشتغل أي نجاح ليك هو نجاح ليا، أنت مش صاحبي يا عطية أنت اخويا اللي ما ولدتوش أمي.
رحل أسامة ورحلت روحنا معه، لا أعرف يا صديقي ماذا أكتب عنك، الحياة دمها تقيل أوي يا صاحبي، حاسس اني في كابوس، وفكرة أني اكتب عنك وأنت مش موجود مش قادر استوعبها ولا قادر اتخطى رحيلك،ولسه مستنى تليفون منك أو رسالة تقول فيها فين يا عطية اللي طلبته منك يالا يابني عاوزين نكسر الدنيا تاني وتالت وعاشر، الدنيا كسرتنا من بعدك يا أسامة وعزانا الوحيد أن سيرتك موجودة بالخير بين جيل انت كنت السبب في أنه يخوض تجاربه الصحفية الأولى وكل حرف كتبوه و هيكتبوه أنت مشارك فيه وكل نجاح أو تقدم أنت سبب رئيسي فيه.
في منشور قديم له ابكاني جدًا قال فيه “لما أموت مش عاوز غير اتنين يكتبوا عني ، محمد عطية وعمرو شاهين، أتصل بيه واقوله ايه يا عم الكلام ده، احنا مش اتفقنا اننا هنشوف العيال تكبر وتحقق أحلامها وبعدين نتقاعد أنا وأنت نسمع أغاني و نألش عليها ونكتب روايات، قالي انت وعمرو وموجي جناحاتي اللي بطير بيها، قلت له يا اسامة أنت المراكبي اللي ماشي بينا ما ينفعش المركب من غير ريس وانت هتفضل طول عمرك الريس، رحل أسامة ورحلت روحنا معه وبقينا في المركب من غير مراكبي.
أسامة عاش عمره يضم الكل تحت جناحه يثقل نفسه وروحه بالهموم لاجل إسعاد الأخرين، يتحمل سخافات البشر وتحكماتهم دون أن يشعرك بأن هناك مشكلة، أسامة الطير الحر الوفي الذي ارتضى أن يترك براح السماء لينزل إلى المركب ليتحمل قيادتها رغم ظروف البحر الهائج.
يأتيني في الحلم بعد رحيله بأيام قليلة ، جالسًا على دفة المركب مرتديًا طاقية مراكبي ملونة ووجه بشوش ضاحك ينظر إلينا أنا ورشا وموجي وعمرو وهو يدندن بابتسامة عريضة “اّه واّه ويا فرحة قلبى ، كنت طير وصبحت مراكبى، بجناحين وحملت حبايبي”
مع السلامة يا صاحبي.