فى الدورة السابقة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، شارك الروائى أسامة الشاذلى بروايته الجديدة «السلطان»، الصادرة عن دار «إبداع للترجمة والنشر والتوزيع»، والتى تتحدث عن تاريخ الفتح الأندلسى، مع إسقاطه على قضايا معاصرة.
وتدور أحداث رواية «السلطان» فى زمنين مختلفين، الأول فى القرن الثامن الميلادى، والثانى يعود للقرن العشرين، وبين الزمنين يعالج «الشاذلى» القضية الفكرية التى تدور حولها الرواية، باستخدام عدة تقنيات روائية.
عن «السلطان» التى تعود بداية كتابتها قبل أكثر من 30 عامًا، عندما جذبت مؤلفها حكايات فتح الأندلس، وعلاقتها بأصحاب وجماعات الفكر التكفيرى، وعلى رأسها «الإخوان»، وكبيرهم الذى علمهم السحر، حسن الصباح، زعيم جماعة «الحشاشين»، يدور الحوار التالى مع الروائى والصحفى أسامة الشاذلى.
■ منذ البداية وتجد فى رواية «السلطان» اهتمامًا بكل تفاصيل الحقبة التاريخية التى تدور فيها الأحداث بالأماكن والطرق والأزياء والمفردات.. كيف أعددت لكل هذا؟
– أكتب فى هذه الرواية منذ أكثر من ٣٠ عامًا، كنت طفلًا جذبه فتح الأندلس وحكاياته، فقسمت بيتنا إلى «الجزائر» و«المغرب» و«تونس» و«بلاد الأندلس»، وكنت أتخيل فيه بطولات الفاتحين، وأدون أحداثها منذ كنت فى الـ١٣ من عمرى، وبالطبع لم أستخدمها نهائيًا فى رواية «السلطان»، لكنى صنعت من خلالها «الجو العام» للرواية.
■ الأحداث دارت فى فترة دسمة ومشبعة بالكثير من الأساطير .. هل ساعد هذا فى إقناع القارئ بمفردات الرواية؟
– لا أسطورة بدون جذر حقيقى، كل أسطورة تاريخية جزء من شعبها، لهذا بدت كل مفردات هذه الحكاية أصيلة تمامًا.
■ أحداث الرواية متسارعة ومختزلة.. هل هذا يرجع لكونك صحفيًا ورئيسة لتحرير موقع ثقافى؟
– أنا أعتبر نفسى روائيًا قبل أن أكون صحفيًا، ومثلى الأعلى فى هذا، أستاذنا فتحى غانم، الصحافة الإلكترونية مهنتى التى أمتهنها من ١٥ عامًا، كما أن كونى شاعرًا للعامية أيضًا، جعلنى أكره البطء وزيادة الوصف، وأميل أكثر إلى الاختزال.
■ أثبت فى روايتك أن تفكير كثيرين لم يتغير منذ مئات السنين، ما بين «إنزا» وجيشه والتكفيريين فى العصر الحديث.. كيف ترى هذا؟
– «الجهاديون» و«التكفيريون» تركوا أدمغتهم عُرضة لمن سبقونا بأكثر من ١٤ قرنًا، يتبعون خطواتهم دون محاولة لإعمال العقل، تلك «الفريضة الغائبة» عن جموع المسلمين، لهذا لن يبدوا القادم منذ القرن التاسع مختلفًا عنهم.
حلم السلطة الذى داعب «إنزا» جعله يضحى بكل غال وثمين فى سبيل تحقيقه، وهو ما حدث مع «التكفيريين» فى العصر الحديث، وهنا ليس التاريخ من يعيد نفسه، بقدر ما هى النفس المحملة بكل هذه الشرور.
عاصرنا هذا بأنفسنا خلال فترة حكم «الإخوان» لمصر، فالجماعة بذلت الغالى والثمين لمجرد الحكم، كانوا مستعدين للتضحية بشعب كامل من أجل تنفيذ «خطة التمكين»، رأينا الأسوأ من «إنزا» ورفاقه فى «الاتحادية»، خلال حكم الجماعة الإرهابية.
■ هل «العرافة/ الحلم» فى الرواية تقصد بها تلك الوعود التى يتلقاها «التكفيريون» لدفعهم إلى التضحية بحياتهم وحياة ذويهم من أجل رؤية فردية لا يراها غيرهم؟
– كبيرهم الذى علمهم السحر حسن الصباح قاد منذ قرون فرقة اغتيالات متكاملة هى «الحشاشين»، وكان يعد أتباعه بالجنة فصدقوه، وهو ما استمر من دون أى تغيير بعد ١٣٠٠ سنة كاملة، وتسلط الرواية الضوء عليه. وأحب هنا أن أشيد بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى تقدم خلال الموسم الرمضانى لهذا العام مسلسل «الحشاشين»، من بطولة كريم عبدالعزيز، وتأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمى.
■ فى النهاية تقول الرواية إن ما فعله «إنزا» أو غيره مجرد «متاجرة بالدين» لتحقيق حلم السلطة أو غيرها، لكن هل تصل سطوة هذه الأحلام لحد دفع الشخص للتضحية بكل ما يملك فى سبيلها؟
– شهوة السلطة والسيطرة، طوال تاريخ البشرية، دفعت حكامًا للتضحية بآبائهم وأبنائهم وأخواتهم، لم تشبع أبدًا من الدم.
■ على الرغم من أن دور المرأة يبدو هامشيًا فى رواية «السلطان» نجد زوجة «إنزا» تقف ضد رغباته، وتكون صوت العقل الذى أخرسه وقتله، ولم تقبل بالتضحية بأولادها.. كيف ترى هذا؟
– رأيى قد يزعج بعض الناس، رأيى الشخصى أن النساء أفضل كثيرًا من الرجال، ولهذا وضع الله فيهم سر الميلاد، وفى مصانعنا البشرية يعتبر الجيل الثانى أفضل من الأول، وخاليًا من كل عيوبه، والنساء هن الجيل الثانى من البشرية.
■ وماذا عن دور رجال «إنزا»؟
– «وسيم بن عفيفى» اختار بكامل رضاه البقاء حتى الفناء، وهو ما يحدث فى كل التاريخ السابق، بأن تجد شخصًا يختار أن يفنى خلف وهم، لكن دائمًا ما يكون هناك صوت عقل، وهو ما تجلى فى شخصية «عدى الثقفى». «الثقفى» فر بعد أن أيقن أن حلم سيده سيقوده إلى هلاكه، وهو فعل فردى، لأن الجماهير لا تقودها العقول، لهذا يمكن اعتبار هذه الشخصية تعبيرًا عن الأمل فى أن يستطيع أحدهم النجاة مما يعيشه من وهم كبير.
■ صدرت كل فصل بمقولة من بينها «الأفعى التى لا تغير جلدها القديم تموت»، و«هناك معارك الطرفان فيها خاسران».. لماذا؟
-دعنى أضرب لك مثلًا يدلل صحة المقولة الأولى، هو ما عشناه فى السنة التى سبقت ثورة ٣٠ يونيو، فحينها جماعة «الإخوان» فشلت فى التخلى عن جلدها فماتت أمامنا جميعًا، لأنها أفعى خبيثة. أما «هناك معارك يخسر فيها الطرفان»، فأرى أن هناك الكثير من المعارك فى الحياة تنطبق عليها هذه المقولة، على المستوى الشخصى أو المجتمع ككل، من بينها أى معركة لى مع زوجتى!.
أسامة الشاذلي
روائي وكاتب وناقد مصري تخرج من الكلية الحربية عام 1994 وظل بالخدمة حتى استقالته في يناير 2005، ليتفرغ بعدها لدراسة النقد السينمائي والكتابة، قام الشاذلي بتأسيس مواقع إلكترونية متخصصة في المحتوى النوعي “دائم الخضرة” مثل “كسرة – المولد – الميزان” إضافة إلى المشاركة في تأسيس موقع السينما دوت كوم، وكتب مقالات في كثير من المؤسسات الصحفية، إضافة إلى إنتاجه الأدبي حيث كتب ٨ روايات ومجموعتين قصصيتين، ولأسامة الشاذلي تجربة في كتابة الشعر الغنائي إلى جانب تحريره وإعداده أعمال إذاعية وبرامج تلفزيونية، إضافة لإنتاج وصناعة أفلام وثائقية.